صدى تلعفر:
بيوتات تلعـفر القديمة كانت تبنى من الطين معتمدة على تراب أحمر ناعم بعد خلطه بمقادير كافية من الماء وبقليل من التبن ليزيد من تماسك الطين الذي يحصل بعد أن يترك هذا المزيج لليوم الثاني على الأكثر حتى يختمر وتزداد قابليته للصلابة ثم يقطع المزيج على شكل قطع مستطيلة (لِبْنَ) ويبدأ بالبناء بعد ذلك..
وبتطور أدوات البناء ومواده ووسائله باتت المادة الرئيسية التي تبنى بها البيوت في تلعـفر هي الجص أو كما يقول الأهالي (كْراجْ) الذي يتأتى من حرق حجر الكلس (القايه) في كوخ خاص.. وتمتاز العمارات الشعبية في تلعـفر بالجدران التي تستطيع مقاومة عاديات الزمان فترة أطول فضلاً عن قدرتها على وقاية السكان من الظروف الجوية بشكل أجدى.. كما أن مما تميز بيوتات تلعـفر بناء السراديب (حيث يلتجئون إليها من حرارة الصيف ويحفظون فيها مواد العيش ـ المؤن ـ التي تحتاج إلى مناخ معتدل) والطارمات الأمامية، كما أن الغرف تكون متصلة مع بعضها البعض هذا مع العلم أن أغلب بيوتات المدينة تتكون من طابق واحد لان بناء أكثر من طابق لا يكون إلا في مقدور قلة من الأغنياء..
وقد نلاحظ اهتمام البعض على الدور من الداخل دون الاهتمام بالمظهر الخارجي ربما لكي لا يجلب أنظار الناس أو خوفاً من الحسد الذي يؤمن به الجميع في المدينة ويخشونه لذا تراهم قد أثبتوا في مقدمة الأبواب الخارجية تمائم مختلف الأحجام والأشكال أو خرز معدنية أو قرون حيوانات أو حذاء قديم كل ذلك من أجل دفع العين وجلب الخير..
والأعافرة يهتمون كثيراً بالسطوح لانهم اعتادوا النوم على السطوح خلال فصل الصيف كما يهتمون بغرف الاستقبال (الضيوف) التي تكون عادةً قريبة إلى الباب الخارجي لكي لا يطرق أو يدوس الضيف حُرمة الدار كما هو الاعتقاد السائد لدى الأهالي، ولعل لقلة ذات اليد ترى الكثير من البيوت تسكنها أكثر من عائلة تربطهم صلة القرابة.. ولعل أبرز ما كان وما زال في بعض البيوت الدقّاقة (عبارة عن صفيحة حديدية قوية تكون على شاكلة الأواني المتوسطة الحجم مثقوبة من وسطها يخترقها مسمار حديدي معقوف الرأس على شكل دائرة تثبت فيها حلقة حديدية تدق على الصفحة فيخرِج صوت يسمعه أهل الدار) بدلاً من الجرس الذي حلَّ محلها مؤخراً في ضوء تطور الحياة على مختلف جوانبها ونواحيها..
ومن عادة الاعافرة إذا انتقلوا إلى بيت جديد أن يذبحوا ذبيحةً على عتبة الدار الجديدة وإن كان صاحب الدار فقيراً يكسر جراراً أمام الدار لمعتقدات شعبية معروفة لدى الجميع أما أصحاب الدور القريبة فيبدأ كل منهم بتحضير وجبة طعام لجارهم الجديد، ولعل من الغريب أن نجد أنهم يرسلون الطعام إلى دار جارهم ولا يدعونه إلى بيوتهم ربما لكي لا يشغلوا جارهم عن ترتيب بيته الجديد وما يتطلبه من تنظيف وتهيئة إضافةً إلى أنه يولد نوع من الألفة والاحترام المتبادل..
وغالباً ما يحرص الفرد من أهالي تلعـفر على أن يكون بيته في المحلة التي فيها أهله وذويه ومعارفه وقلما يبتعد عنهم ولهذا تجد أن المحلة الفلانية أغلب سكانها من العشيرة الفلانية والمحلة الأخرى أغلب سكانها من عشيرة أخرى وهكذا.. والكثير من بيوتات المدينة القديمة تمتلك بئراً والآبار الموجودة عامةً مالحة وعسرة..